28‏/07‏/2008

مدخل إلى دراسة اللغة الإيمائية في المسرح

مدخل إلى دراسة

اللغة الإيمائية في المسرح



يمثل الإيماء الوسيلة التواصلية الأكثر ثراء بعد اللسان في كل الحضارات. ويذهب بعض دارسي الإيماء إلى أنه بالإمكان توليد ما يناهز سبعمائة ألف علامة باليدين والذراعين. وفي المسرح يستطيع ممثل الدراما الهندية أن ينتج بيديه ما يقارب ثمانمائة علامة، أي ما يقارب، كميا، المفردات الأساسية لتعلم اللغة الفرنسية أوالأنجليزية (1). ونذكر في هذا السياق اللغة الإيمائية التي يستعملها الصم-البكم في الحياة اليومية ولأهداف عملية. كل هذا يشهد على أهمية الإيماء سواء في الحياة اليومية أو في المسرح.

والواقع أن دراسة الإيماء في المسرح -وفي الحياةاليومية أيضا- يطرح عدة صعوبات نذكر منها: طبيعة الشروط الإبستمولوجية التي يمكن أن تسمح بقيام سيميولوجيا للإيماء، موقع هذه السميولوجيا من النموذج اللساني، وحداتها الدنيا، مستويات تحليلها، المعايير والمبادئ التي يمكن أن نصنف على أساسها الإيماءات.

I - تصنيف العلامة الإيمائية

تدخل الإيماءة في المسرح ضمن العلامات الأيقونية، وهي تنبني على التشابه مع مرجعها. ففي معظم الحالات في المسرح، نجد أن الممثل يحيل بإيماءاته عن طريق المشابهة مع النموذج المحاكى، أي أنه يحاكي بواسطة الإيماء الحركات والافعال الواقعية. فعن طريق الإيماء يتعرف المتفرج على الشخصية، ويندمج فيها. غير أن هذا النمط من الإيماء ليس إلا حالة من الحالات. فالإيماءة يمكن أن تحيل على طريق سنن عرفي مشترك بين الممثل والجمهور، وفي هذه الحالة، فإن الإيماءة لا تكون محاكاة مباشرة لواقع موجود سلفا، وإنما تكون عبارة عن بناء أونموذج مجرد يسمح بالانتقال إلى المرجع المقصود كما هو الشأن بالنسبة لبعض أشكال المسرح الشرقي، حيث تكون معرفة السنن الإيمائي ضرورية لإدراك العرض ( المسرح الهندي الكاطاكالي مثلا). ويوظف المسرح نوعا آخر من الإيماءات، هي إيماءت لا تحيل إلا على ذاتها، إذ يستحيل التعرف على مدلولها.إنها من نوع الإيماءات المستعملة في الرقص.

ويمكن أن نقيم تصنيفا آخر للعلامات الإيمائية انطلاقا من علاقتها بالكلام أثناء التواصل. وقد تبنى هذا المعيار لارتموس P.Larthomas، إذ ميز بين ثلاثة أنواع من إلايماء: إيماءات التمديد ( prolongement)، إيماءات التعويض (remplacement) ثم الايماءات المصاحبة (d'accompagnement). ففي الحالة الأولى تكمل الإيماءة ملفوظا لغويا، وفي الحالة الثانية تغيب اللغة نهائيا لتترك المجال للإيماءة وحدها، وفي الحالةالثالثة تحضران معا جنبا إلى جنب (2).أما گريماص فإنه يميز بين ضربين من الإيماء: الأول للتواصل المباشر والثاني للنقل transposition. وينقسم الأول، الذي يتميز بالترابط بين الدال والمدلول، حسب قدرته التركيبية على إنشاء أوتحوير الملفوظات، إلى /إيماء إسنادي (attributive)، وإيماء صوغي. أما النوع الثاني، الذي لا يصبح تواصليا إلا بواسطة نقل الدوال فينقسم بدوره، استنادا إلي حجم الوحدات المنقولة (علامات أو ملفوظات) إلى إيماء محاكي و إيماء لعبي (3).

أ- الإيماء الإسنادي . يمكن النظرإلى الجسد الإنساني كتعبير(دال) عن محتوى (مدلول) داخلي (مختلف الانفعالات والمشاعر). وما دام كذلك، فيمكن اعتبار حركته كشيء مسؤول عن خلق انزياحات وضعية (positionnelle) تتناسب مع انزياحات علي مستوى المحتوى (أي أننا إزاء دلالة)(4). هكذا يضع گريماص اليد على الطابع السميائي للعلامة الإيمائية و ذلك بالربط بين مقولة تنتمي إلى مستوى التعبير ومقولة معنمية من مستوى المضمون، والعلاقة بينهما تخضع لمبدأي الاعتباطية والتعليل في الآن نفسه. فليس هناك ما يفرض وجود علاقة بين عينين مفتوحتين /مغلقتين وبين المكر/ البراءة. إلا أن هذه العلاقة قد تصبح ضرورية ومبررة في سياق ثقافي معين. ويلاحظ گريماص أن هذا النوع من الملفوظات الإيمائية لا يمكن أن يخبرنا إلا عن الذات المتلفظة، أي أنه لا يتناول إلا جانب الكينونة ولا يمكن أن يتجاوزها إلى الفعل. ولهذا أطلق عليه إسم الإيماء الإسنادي، ويدخل ضمنه الإيماء الإشاري.(4)

ب- الإيماء الصوغي. وهو ذلك الإيماء الذي يبرمج التواصل ويأخذ شكل ملفوظات صوغية (القبول، الرفض، الشك، اليقين...)

ج- الإيماء المحاكي. ويعني به گريماص نوعا معينا من التمظهرالإيمائي للمضمون بهدف إرسال تواصلي إلى المتفرج/المرسل اليه (5). ويتمم گريماص هذا التعريف بالملاحظات التالية:

- إن المحتويات، موضوع التواصل، متسارية من حيث الحجم مع الوحدات المعجمية، ويمكن أن تكون عبارة عن أسماء (مسدس) أو أفعال (رش).

- إن التسنين الإيمائي للمحتويات يتكفل به مستوي التعبير، فالنقل لا يشمل العلامة بأكملها وإنما دالها فقط.

- إن النقل الإيمائي يفترض وجود سيميائيات سابقة عنه، سواء أكانت طبيعية أوكانت تنتمي إلى ممارسة إيمائية غير تواصلية.

- إن النقل يرمي إلى التعرف على العلامة انطلاقا من مدلولها بواسطة الجسد الإنساني. هذا الأخيرالذي يشكل ذات التلفظ لا يمكن أن ينتج سوى الملفوظات الإسنادية، ولا يستطيع أن يركب هذه الملفوظات، لأنه لا يمكن أن يكون العلامة والتركيب في نفس الآن . وهذا، في نظر گريماص، هو ما يفسر>غياب استقلال الإيماء المحاكي الذي لا نجده إلا مصاحبا للغة، أو مدمجا في أسنن تواصلية اصطناعية بطريقة متقطعة (سنن الرهبان الصامتين، أو سنن البانتوميم )<(6).

د- الإيماء اللعبي. إذا كانت الأنواع السالفة من الإيماء لا تتعدى وحدات من مستوى السمات المميزة، أومن مستوى الفونيمات أوالوحدات المعجمية، فإن هذا النوع يرقى إلى مستوى الخطاب. وللكشف عن مختلف أنماطه يستعين گريماص بالمقولة التالية: مقدس/لعبي/جمالي. ويخرج بتصنيف ثلاثي:-إيماء ذو طابع مقدس (الطقوس الأسطورية ولا تهدف إلى التواصل)، -إيماء لعبي (الرقص الفولكلوري، وقد يهدف إلى التواصل وقد لا يهدف). ومن بين المشاكل التي يطرحها هذا النوع الأخير هو خلو ملفوظاته في الأغلب من المعنى. فالباليه مثلا، وإن كان يتضمن بعض المقاطع الإيمائية، فإننا لا يمكن أن ننسب معنى محددا لكل وحداته (7).إن هذا النموذج العام الذي يقدمه گريماص، وإن كان يتحدث عن الإيماءة بصفة عامة ومجردة، فإنه مع ذلك قد أسعف الدارس في التعرف على أنواع الإيماءات المستعملة في المسرح.

II - حول تقطيع المتواصل الإيمائي في المسرح

إن ما يميز العلامة الإيمائية هوطابعها الحركي الديناميكي. فهي ترد في العرض عبارة عن متواصل (continum)، ولعل هذا ما دفع بعض الدارسين إلى تصنيفها ضمن العلامات المتحركة(8).والواقع أن تقطيع هذا المتواصل الإيمائي يصادف صعوبات خطيرة، ونتائجه ليست مرضية و مقنعة تماما. فهو يتخذ كمبدأ للتقطيع مستوى المدلول، في حين أن التقطيع، إذا أراد لنفسه أن يستجيب للشروط العلمية، يجب أن يتم علي مستوى الدال. إن تحديد المقاطع الإيمائية لا يمكن أن يسمح، علي الأقل في الفترة الراهنة، بالتعرف علي وحدات إيمائية محدودة العدد، ويمكن أن تدخل في تكوين كل العلامات الممكنة، كما هو الأمر بالنسبة للفونيمات في اللغة الطبيعية. لهذا فإن النظريات التي انصرفت إلى تحديد الوحدات الدنيا للإيماء، وإبراز قواعد تركيبها داخل الإيماءة، قد انتهت إلى الفشل(9). وحتى إذا كان ذلك ممكنا في بعض الممارسات الإيمائية المسننة (لغة الصم البكم، أو بعض أشكال الدراما الشرقية)، فإنه غيرممكن بالنسبة للمسرح الذي تتسم فيه الإيماءات والأوضاع الجسدية، شأنها في ذلك شأن الحياة اليومية، بالتنوع والتعدد والاختلاف. غير أن هذه الصعوبة يجب ألا تصرفنا عن البحث في هذه "الجملة الإيمائية" التي تمتد طوال العرض، عن محاولة تفكيكها وتعيين وحداتها، لأن ذلك سيساعد على إدراك كيفية اشتغال وتركيب الإيماءات داخل الفرجة.

إن دراسة الإيماءة في المسرح تواجه نفس المسألة التي واجهت كوكلين في دراسة الإيماءة، يقول:>يبدو للوهلة الأولى أن دال ما ندعوه عادة بالإيماءة يقدم جانبا تركيبيا، و تكمن المشكلة في معرفة كيف يتفكك هذا المركب الواقع في زمان وفي مكان، هل يتعلق الأمر بمركب من العناصر "الدالة" لملفوظ معين؟ أم بمركب من العناصرالمعقدة، ولكنها مجردة من المعنى<(10). إن العرض المسرحي يواجه نفس التساؤلات.

إن الاعتماد على علم التواصل الحركي ( kinésique ) * لا يمكن أن يحقق إلا نتائج محدودةو أولية، ذلك أن تطبيق معطيات هذا العلم في المسرح يبدو صعبا، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها هو أن التواصل الحركي يدرس التفاعلات الإنسانية بين الأفراد داخل سياق اجتماعي حقيقي، في حين أن المسرح يقدم شخصيات متخيلة تتواصل في سياق متخيل ومحكوم بخطاب سابق هو الإخراج. على أن هذا لا يعني استحالة الاستفادة من بعض تحديدات ونتائج هذ العلم .فبإمكانه أن يقدم للدارس مساعدات مهمة، يمكن إجمال بعضها فيما يلي:

- إن هذا العلم قد اثبت إمكانية عزل الإيماءات كما تعزل الكلمات المكونة لجملة مثلا.

- عدم الفصل ، في التواصل، بين الكلام، الذي يعد دعامة المعنى، والسلوكات غير اللفظية التي تؤثر علي المعنى اللغوي( 11) .

إن علم التواصل الحركي ينطلق من المماثلة بين اللغة الإيمائية واللغة الطبيعية، وبذلك فإنه يميز، داخل الموضوع الذي يشتغل عليه ( الإيماء)، بين عدة مستويات. فـ Birdwintell مثلا يري أن الوحدة الدنيا للغة الطبيعية، أي ما يقابل الفونيم في اللغة الطبيعية، هي الحريكة (Kiné)، كهزالحاجبين مثلا. فإذا ما تكررت هذه الحريكة مرتين انتقلنا إلى مستوى أعلى هو "الأحروكة" kinème، وقد استطاع بيروينتل أن يعين من بين الأحاريك خمسين أو ستين أحروكة متعلقة بالنسق الأمريكي ، بما في ذلك، إضافةإلى تعابيرالوجه، ثلاث هزات للرأس: حركتا ميلان جانبيين للرأس، واحدة لشنق الرأس، وواحدة لتنكيس الرأس، وحركات الحاجب والجفون و الأنف والفم والذقن والوجنتين... (مرجع) فإذا ما ائتلفت هذه الأحروكات فيما بينها انتقلنا إلى وحدات أكثر تعقيدا من مستوي أعلى هي "أشكال الحركة" ( kinémorphe ) التي تتراكب بدورها لتسفر عن مركب أشكال الحركة الذي، يمكن في النهاية، أن تكون له علاقة بالكلمات. وإذا ما ارتقينا إلى مستوى أعلى وجدنا "بناءات أشكال الحركة" التي تملك الكثير من خصائص الجملة النحوية اللفظية (12).

إن هذا التصور يسمح بتفكيك الإيماءة، والتعرف داخلها على علامات منفصلة، غير أنه، بالمقابل، يؤدي إلى تدمير وهدم هذه الإيماءة ذاتها والتفريط في بعديها الجمالي والفني .

III - حول دلالة الإيماءات في العرض المسرحي

يقع الإيماء في المسرح في ملتقى الطرق بين التخييل والإنجاز. ولعل هذا هو ما يجعل الشيء المراد التعبير عنه يتحكم في نوعية الإيماء الذي سيلجأ إليه الممثل.

- فهو يلجأ إلي إبراز ملامح الشخصية ككائن متفرد جسديا أو سيكولوجيا، فيميل بذلك إلى انتقاء بعض الأوضاع الجسدية، وتكرار إيماءات معينة. إن هذا النوع من الإيماء مرتبط "بكينونة الشخصية"-الإيماء الإسنادي حسب گريماص- وبذلك فإنه يتسم بالثبات والاستمرار طيلة العرض.

- قد ينصرف الممثل إلى إبراز الوجه الاجتماعي للشخصية. وهو هنا يوظف إيماءات محاكية تحيل على العمل أوالوظيفة الاجتماعية... ويرتبط هذا النوع من الإيماء، على خلاف الأول بـ"الفعل"، ولذلك فإنه يتسم بالدينامية والحركة. ويجسد التحولات الركحية والوظيفية.

- بإمكان الممثل أن يوظف الإيماء لإبراز انفعالات وعواطفالشخصية (الفرح، الحزن، اليأس).

- إن الوظيفة الأساسية للايماء هي إبراز المقام التلفظي للخطاب (الاطار الزمكاني الذي يدور فيه التخييل في المسرحية، طبيعة العلاقة بين المتلفظين...)، وعلى الرغم من أن الخطاب يتوفر على جهازه الإشاري الخاص ( أنا، الآن، هنا) الذي يجذره في المقام، إلا أنه لا يستطيع الاستغناء عن وظيفة الإيماء الإشارية.

إن هذا النوع من العلامات يقوم على أساس المحاكاة (أي الأساس الأيقوني)، فالعلاقة بين دال العلامة ومدلولها هي المشابهة في أغلب الأحيان. على أن المسرح يوظف صنفا آخر من العلامات الإيمائية، وهي علامات غامضة لا يمكن أت نتفق على دلالة محددة لها، وتطلق عليها آن أوبرسفيلد إسم العلامات "المعتمة" ( signe opaque ) (13).

الهوامش

1) Kowzan,T Littérature et spectacle, Mouton, Paris La Haye, p. 185

2) Larthomas ,P. Le langage dramatique : sa nature, ses procédés, P U F , Paris, 1980 , pp 88- 92

3)Greimas A J : Du sens, Seuil Paris 1970 p 81

4) نفسه ص ص 71-72

5)نفسه ص 75

6) نفسه ص 76

7) نفسه ص ص 80-81

8) Pavis P , Voix et images de la scène , P U L, Lille 1982 p 99

9) نفسه ص 100

10) نفسه ص 102

11) نفسه ص 103

12) Kristéva : Recherches pour une sémanalyse , Seuil Paris 1969 pp 46-49 .

انظر كذلك كير ايلام ، سمياء المسرح والدراما، ت . رئيف كرم المركز الثقافي، بيروت ، 1992 ص ص 110-111

13) Ubersfeld Anne, Lire le théâtre, Ed Sociales Paris 1982 p 208

* علم يدرس التواصل بواسطة الايماء وحركات الوجه. رائده هو عالم الانثروبولوجيا الامريكي راي بيرد ويستيل . وقد انطلق هذا العالم من فرضية مفادها أن التعبير الجسدي يخضع لنسق مسنن يكتسبه الفرد ويختلف حسب الثقافات .

02‏/07‏/2008

بحر بلا ساحل : ابن عربي والكتاب والشَّرْع

بحر بلا ساحل : ابن عربي والكتاب والشَّرْع

ميشيل شودكيفتش

كان القاضي الفقيه ابن حجر الحيتمي، الذي عاش في القرن السادس عشر، على كونه من المدافعين الأشداء عن ابن عربي، يقرُّ ببعض ما يأخذه منتقدوه عليه: فكتاباته، على حدِّ قوله، "لدقة معانيها، ولطائف إشاراتها، وإبهام مبناها"، هي للعوام "سمٌّ ناقع"[1]. إذ إن الاهتمام المشروع بالذود عن إيمان الجهَّال يقود بعض فقهاء الشريعة إلى أن تأخذهم العزَّة بالإثم، على ما يخلص إليه، لكنه يبقى من الصحيح أن ابن عربي ليس ممَّن يصح أن تتداوله سائرُ الأيدي.

وعلى كلِّ حال، أكدتْ شهاداتٌ أحدث أن مؤلَّفات الشيخ الأكبر لا تبوح بأسرارها بسهولة. فقبل الحرب العالمية الأخيرة ببضع سنين، اقترح نيكلسون على أحد طلاَّبه المصريين قراءة مؤلَّفات ابن عربي. وقد اعترف هذا الطالب – وهو أبو العلا عفيفي، الذي ندين له، في جملة كتب أخرى، بكتاب فلسفة محيي الدين بن عربي الصوفية[2] – لاحقًا[3] أنه، بعد عدة قراءات للـفصوص ولشرح القاشاني عليه، لم يفتح الله عليه بشيء! وقد كتب يقول: "فالكتاب عربي مبين، وكلُّ لفظ فيه، إذا أخذته بمفرده، مفهوم المعنى، ولكن المعنى الإجمالي لكلِّ جملة، أو لكثير من الجمل، ألغاز وأحاجٍ لا تزداد مع الشرح إلا تعقيدًا وإمعانًا في الغموض. ذهبت إلى الأستاذ [نيكلسون] أشكوه حالي، وأذكِّره بأن هذه أول مرة استعصى فيها عليَّ فهمُ كتاب باللغة العربية إلى هذا الحد." ولم تكن حيرة المستشرقين المهتمين بالشيخ الأكبر لَتقلُّ عن ذلك: فكليمان هُوار لا يخفي حرجه من أثر "تهويمات مخيِّلته الفوضوية"[4]. وكان آربري يرثي لـ"تشويش عالم ابن عربي الذهني" و "اصطلاحاته غير المتجانسة وغير المتسقة"[5]. وقد صرَّح روم لانداو بأن "من شأن ملابساته وتناقضاته أن تقودنا إلى حافة اليأس"، محذِّرًا كلَّ من يريد التوفُّر على كتبه بأنْ وحده إعجاب عميق جدًّا يمكن أن يشجعه على "مجابهة تلك المصاعب التي لا تُحصى والتي ارتأى ابن عربي أن من الضروري إيجادها"[6].

إن من شأن تعقيد مذهبٍ يحيط في تأليف مذهل بميادين العلوم النقلية كافة، من الاجتهاد الفقهي وصولاً إلى الإلهيات، والصياغات الملتبسة والملغَّزة التي كثيرًا ما يُلبِسها إياها الشيخُ الأكبر، ناهيكم أخيرًا عن ضخامة مؤلَّفات تشتمل على عشرات آلاف الصفحات، أن يثبط همة الساعي إلى نشر التعاليم الأكبرية. لكن ليت صيت هذه المصنفات الهائلة يقتصر على رميها بالغموض! فهي كذلك، في الإسلام، مرارًا ما تُرمى بالزندقة، وذلك منذ أكثر من سبعة قرون؛ وهذه السِّجالات تتواصل في يوم الناس هذا بنفس الحدة التي كانت عليها أيام ابن تيمية. وحتى عند مشايخ الصوفية، فإن التنبيهات تتواتر. والمريدون في ابتداء أمرهم غالبًا ما يحذَّرون من قراءة الفصوص والفتوحات، وذلك لأسباب نستشف طبيعتها من ملاحظات ابن حجر. يبدو، إذن، وكأن الشروط كلَّها اجتمعت لحَصْر معرفة أفكار ابن عربي في أوساط ضيقة من المتعلِّمين الذين لا تُرهِبهم لا صعوبة التصانيف ولا إدانات الفقهاء؛ لكن الأمر ليس على هذا النحو.

لاحظ العديد من الباحثين اتساع المدى الجغرافي – من المغرب إلى الشرق الأقصى – لتأثير ابن عربي. لكن الأهم من ذلك هو قياس عمق هذا التأثير وفهمه: إن سمة التعليم الأكبري لم تنطبع في الصوفية "العقلية" وحسب؛ إذ يمكن تحسُّسها أيضًا وسط نطاق من الطُّرُق التي تتداخل فيها جميع الطبقات الاجتماعية ومختلف المستويات الثقافية. فـ"العارفون" الذين يخصُّهم ابن حجر بقراءة ابن عربي ليسوا دومًا بين أصحاب العلم المعترَف بهم؛ وعلى العكس، فإن "الجهَّال" ممَّن يرون في قراءة الفصوص والفتوحات "سُمًّا زعافًا" مرارًا ما يتجنَّدون في عِداد رجال الدين.

كذلك فإن جاك بيرك، في المؤلَّف الذي خصَّصه للصوفي المغربي اليوسي[7] (توفي في العام 1691)، حيث يصر على الدين الكبير الذي يدين به هذا الأخير لابن عربي[8]، يلفت الانتباه بهذا الصدد إلى الاندماج، في مغرب القرن السابع عشر ذاك، بين "تيارَيْ سِيَر الأولياء الشعبية والنَظَر العالِم". فقد كتب يقول: "كان تصوف ذلك الزمان يجمع بين العلوم النقلية الأكثر تفقهًا، الواردة من الأندلس أو من المشرق، وبين هَبَّة ريفية."[9] وهذه الملاحظات لا تصح على اليوسي ومغاربة عصره وحسب، بل أغلب الظن أنها تستوجب التعميم، كما يشهد على ذلك السريان الواسع لمفاهيم أساسية تعود بأصلها إلى تصانيف الشيخ الأكبر. إن بحثًا مستفيضًا لكيفيات هذا الانتشار وقنواته لَيستدعي تحليل عددٍ لا يُحصى من النصوص، تنتمي إلى مختلف الميادين اللغوية، والقيام بالعديد من التحريات الميدانية. إنما على أساس توثيقي أكثر تواضعًا بكثير، يبدو من الممكن إيضاح بعض جوانب هذه الظاهرة، واقتراح بعض المؤشِّرات لِمَن قد يتوفرون على إظهار بعض العلامات، المكتومة غالبًا، لهذا التشريب الأكبري وعلى توضيح آلياته. وجلي أن هذه المشكلة لا تخص المختصين بابن عربي فقط: فيما يتعدى الاعتبارات التي تهم تاريخ الفكر، فإن المسألة المطروحة هي أيضًا مسألة المسافة الفاصلة بين التصوف "المثقف" والتصوف "الشعبي".

وقد ميَّز الباحثون الذين تتناول مؤلَّفاتهم الشيخ الأكبر وأخلافه العقليين تمييزًا طبيعيَّا دراسةَ الأدب "النبيل" – ذاك الذي تعاطاه كبار مريديه وشارحيه، كالقنوي والجيلي والقاشاني والجامي إلخ. وهذه الدراسة لا يجوز إهمالها من المنظور الذي أشرنا إليه لتوِّنا؛ إذ إن الانتشار الجغرافي لمخطوطات هؤلاء المؤلِّفين، وعدد مؤلَّفاتهم المطبوعة، وتاريخ نشر طبعاتها ومكانه – كل ذلك يقدِّم دلائل هامة على إمكانات ولوج المذهب الأكبري، في هذا الوقت أو ذاك، أو في هذا المكان أو ذاك. لكن من الجوهري أن نأخذ بالحسبان أيضًا المؤلِّفين الأكثر تواضعًا، ذوي الصيت المحلِّي المحض، وحتى كتبًا مجهولة المؤلِّفين أو ممَّن يصعب تحديدهم.

غير أن الحيطة تفرض نفسها على الفور: إن غياب المرجعية البيِّنة الخاصة بابن عربي، وحتى وجود مرجعية سلبية، ليسا ذوَيْ دلالة مسبَّقًا. لذلك، وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإني لن أذكر حاليًّا غير مثال واحد شديد الإنارة: في الطريقة العلوية (وهي فرع من الطريقة الشاذلية الدرقاوية، أسَّسه الشيخ أحمد بن عليوا المستغانمي، المتوفى في العام 1934)، مازال الفقراء والمريدون – وجلُّهم من العمال الجزائريين المقيمين في أوروبا – يقرؤون تصانيف المؤسِّس ويشرحونها. وبين هذه التصانيف نجد تفسيرًا (جزئيًّا) للقرآن بعنوان البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور: وهذا التفسير قد طُبِعَ أخيرًا في مستغانم، بعد أن تداوله القوم على هيئة نسخ مخطوطة. والشيخ ابن عليوا يفسِّر أولاً الآيات 5-7 من سورة البقرة، فيفسِّرها أولاً على الطريقة النقلية في عرض من خمس نقاط – ثم يضيف لهذا التفسير ما يسميه "إشارة"[10]، يبسط فيها الشيخ تأويلاً كان ابن تيمية، في جملة آخرين، يستنكره عند ابن عربي بوصفه من صريح الكفر، مستعيرًا الحجة فعلاً، وعلى نحو شبه حرفي، من الباب الخامس من الفتوحات[11] الذي سنتحدث عنه أدناه. بيد أن الشيخ أحمد بن عليوا لا يذكر ابن عربي البتة، في حين أنه يُتفَّق له في تفسيره أن يشير بالاسم إلى مؤلِّفين آخرين. يجوز لنا هاهنا أن نفسر هذا الصمت بحدَّة السِّجالات التي كانت دائرة آنذاك بينه وبين ممثِّلي حركة الإصلاحيين، وخاصة منهم الشيخ ابن باديس. من هنا فإن إضافة إحالة إلى الشيخ الأكبر إلى نصٍّ فاضح في حدِّ ذاته قد تكون بمثابة استفزاز عديم الجدوى. مهما يكن من أمر، فإن هذا التفسير، شأنه شأن غالبية مؤلَّفات الشيخ ابن عليوا، يتضمن استعمالاتٍ أخرى لمفاهيم أكبرية حصرًا، وغير مشار إليها بوصفها كذلك، هي من الكثرة بحيث لا مجال لإيرادها هنا.

إذا كان بالإمكان، عن عمد أو عن غير تعمُّد، تقديم مباحث من المذهب الأكبري من دون أن يُذكَر مصدرها – ولسوف نقع على حالات أخرى من هذا النوع – فقد يصادف أيضًا أن نلحظ، في النصِّ نفسه (وحتى في عبارة المخاطَب نفسه)، وفي الوقت نفسه، شجبًا لابن عربي يَرِدُ إلى جانب أفكار وعبارات أكبرية حصرًا. وهذا الالتباس، سواء كانت تُمليه مبرِّرات مناسبة روحية أو حذر سياسي، كان في واقع الأمر موقفًا شديد الشيوع وقديمًا للغاية – إذا صدَّقنا نكتة تعود روايتُها، على ما يبدو، إلى الفيروزبادي،[12] فإن القاضي الشافعي الشهير عز الدين بن عبد السلام لزم الصمت حين وُصِفَ الشيخُ الأكبر أمامه بالزنديق – وهو مصطلح كان يوصَم به المانويون عادة، إنما طبَّقه مؤرِّخو البدع على كلِّ من يُشتبَه في كونهم من المفكِّرين الأحرار أو الملاحدة – إنما حين سأله، مساء ذلك اليوم، أحد مريديه ممَّن شهدوا الحادثة، أجابه بأن ابن عربي كان قطب وقته، أي رئيس مراتب أولياء زمانه.

في بعض الطُّرُق – وتخطر ببالنا حصرًا الطريقة الخلوتية وفروعها المختلفة – فإن نفوذ الشيخ الأكبر أمر مقرَّر. لكنْ في الكثير من الطرق الأخرى، فالأشيع أن العديد من المشايخ، ممَّن أبدوا تحفظات على ابن عربي، ينتقدون مواقفه ويمنعون مريديهم من قراءة كتبه. وهذا الموقف قد يكون مجرد احتراز خطابي للتحايل على رقابة الفقهاء. أما في الأغلب الأعم، فإن هذه التحذيرات والتحريمات إنما دافعها الحرص على تجنب سريان أفكار، على كونها صحيحة من حيث الجوهر، إلا أنه قد يُسيء فهمَها مريدون ليسوا مؤهَّلين روحيًّا بما يكفي، فتعرِّض صحة إيمانهم للخطر. من هذا المنظور، على ما يبدو لنا، ينبغي فهم موقف زرُّوق في كتابه قواعد التصوف[13]، ومواقف غيره من مشايخ الشاذلية. وهذا الحذر نفسه يقود شيخ كالشعراني إلى توصية المريد بأن يعرف تأويل تلك الإشارة اللطيفة التي يلمِّح إليه بها شيخُه، آمرًا إياه بقطع قراءته بصوت مرتفع على الفور إذا اتفق لجُهَّال أن يحضروا[14]: هو مجرد تذكير، للمناسبة، بقاعدة عامة التطبيق جدًّا، كما يتبيَّن لنا، إنْ من قراءة النصوص القديمة أو من مراقبة مسلك شيوخ اليوم. ففي فقرة من كتابه رَشَحَات عين الحياة – وهو واحد من الكتب الأساسية في تاريخ النقشبندية حتى أوائل القرن السادس عشر – يروي المؤلِّف بأن الشيخ عبيد الله أحرار كان يشرح له الفصوص عندما جاءه زوار؛ فصمت الشيخ من فوره وأخفى الكتاب. وعبيد الله أحرار نفسه كثيرًا ما كان يقبس من ابن عربي؛ وفي لقائه الشهير بالجامي في طشقند في العام 1469، فسَّر له نقطة من المذهب لم يستطع أن يدركها في الفتوحات المكِّية[15]. وقد كانت التحفظات أو الانتقادات المستهدِفة لابن عربي التي نصادفها بقلم كتَّاب نقشبنديين من عصور مختلفة تترافق في الواقع باتِّكالٍ أقصى على تعاليمه، كما بيَّن ذلك فريدمان أحسن بيان بخصوص أحمد السرهندي. ومؤلَّفات ر. س. أوفاهي تشدِّد بالمثل عند وجه آخر كبير من وجهاء الصوفية "الإصلاحية" – هو أحمد بن إدريس، الذي أسَّس مريدوه الطريقتين السنوسية والختمية – على وفاء للمذهب الأكبري، الأمر الذي عرَّضهم لهجمات وهابية شديدة[16].

نستخلص مما سبق نتيجة عملية، ألا وهي أنه لكي يستنبط الطالب في النصوص – سواء كانت شهيرة أو مغمورة – تأثيرًا قد يكون إما غير واعٍ وإما مغيَّب تغييبًا إراديًّا وإما حتى منكَرًا بقوة، فإن معرفةً بأفكار ابن عربي لا تكفي؛ إذ ينبغي أن تُضاف إليها ألفة تامة بمفرداته وبخصائص أسلوبه، وببعض العبارات الخاصة به التي يدل تكرارُها في كتاباته على مبلغ أهميتها. إن هذه الألفة بالاصطلاحات وبالأساليب البيانية وبالمباحث المتكررة لتصانيف الشيخ الأكبر هي، إلى ذلك، أمور لا غنى عنها للتمييز، في مؤلَّفات كاتب ما، بين ما يخص التراث المشترك للتصوف وما يشكل خصوصية إبداع ابن عربي: فأصالته القوية يجب ألا تُنسينا بأنه، في الواقع، وريثٌ وناقلٌ لموروث سابق غني أيضًا؛ إذ يمكن، بالتالي، تعليل ما نجد من تشابهات مع فكره بالعودة المباشرة إلى الينابيع التي استقى منها. لكن ورود بعض المصطلحات – "النَّفَس الرحماني"، "الفيض الأقدس"، "الفيض المقدس"، "ختم الأولياء"، "تجديد الخلق"، إلخ – في كتابٍ ما هو عادة مؤشر لا يخدع: حتى إنْ ظهر بعض هذه العبارات أحيانًا ظهورًا طارئًا في نصوص سابقة لابن عربي، فإن مؤلَّفاته هي التي منحتْها استعمالاً دقيقًا وضَمِنَتْ لها البقاء في لغة الصوفية. وأحيل هنا بهذا الصدد، على سبيل المثال، إلى ما سبق لي أن عرضت له في غير مكان بخصوص عقيدة الولاية، وبخاصة مفهوم " ختم الوَلاية" – الذي ظهر، كما هو معلوم، عند الحكيم الترمذي في القرن الثالث للهجرة، إنما الذي تبسَّط ابن عربي في شرحه في مذهبه بما جعله بعدئذٍ واحدًا من العناصر الأساسية لكتب طبقات الأولياء اللاحقة[17].

إن معرفة معمَّقة بأشكال الخطاب الأكبري، وليس بمضمونه وحسب، يسمح بالعثور على "تصاديات" كاشفة للغاية كان يمكن، لولا هذه المعرفة، أن تمرَّ من غير أن تُلحَظ. ففي قصيدة غير منشورة لشيخ جزائري معاصر كبير يَرِدُ البيت التالي:

وسبع المثاني حقيقة أمري

سرعان ما يذكِّر أيَّ قارئ لابن عربي ببيت وارد في مستهل الفتوحات [18] ونقع عليه متكرِّرًا في مناسبات عدة في مؤلَّفات أخرى:

أنا القرآن والسبع المثاني

مما لا ريب فيه البتة هاهنا أننا أمام إشارة مقصودة، ولا نستغرب، من ثَمَّ، حين نعلم أن كاتب هذه القصيدة وابنه توفرا طويلاً على كتب ابن عربي، لا بل وقع بين أيديهما، يوم كانا في رحلة إلى سورية، مخطوطٌ بخطِّ يده لإحدى رسائله التي كانت تُعتبَر مفقودة.

لقد سبق لنا الإصرار، من أجل التأكد من نفوذ الشيخ الأكبر خارج نطاق المثقفين وتعيين وسائط هذا النفوذ، على ضرورة التمعُّن فيما يمكن تسميته بـ"كتب الرفِّ الثاني"؛ ونعني بها، بصفة خاصة، الكتيبات الأساسية المكتوبة من أجل المريدين في ابتداء أمرهم، ولكنْ الأخبار الإقليمية أيضًا – والكثير منها غير منشور – وكذلك دواوين القصائد المستعمَلة في الطُّرُق، والموالد التي وُضِعَتْ على شرف أولياء محلِّيين، وإجازات [المبايعة بالطريقة]، وسلاسل المشايخ المغمورين ممَّن لم يتخطَّ صيتُهم حدود قريتهم أو قبيلتهم قط. فإن من شأن نشر هذه النصوص – التي هي ليست في الغالب إلا كراريس موجزة مطبوعة طباعة رديئة وتُباع بأسعار بخسة – أن يفسِّر أمورًا كثيرة.

إن تأثير ابن عربي محسوس جدًّا، على سبيل المثال، في كتاب واسع الانتشار من كتب التجانية، ألا وهو ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية للشيخ عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي (توفي في العام 1284 هـ). وهو أبْيَن في وجيز لقواعد الرحمانية (التي كانت، بما لا ريب فيه، الطريقة الأكثر شعبية في الجزائر) طُبِعَ في تونس (العام 1351 هـ) بأمر من محمد بن بلقاسم، شيخ زاوية بوسعادة: ففيه تَرِدُ صراحة أقوالٌ لابن عربي ويُدافَع عنه ضدَّ خصومه. ولا تقل عن ذلك صراحة الوصية الكبرى لعبد السلام الأسمر الفيتوري (مؤسِّس فرع ليبي للطريقة العروسية، المتفرعة من الشاذلية)، المطبوعة في بيروت في العام 1958، حيث يصرِّح المؤلِّف (ص 60): "إخواني، وعليكم بمحبة محيي الدين بن العربي وتعظيمه." وهنالك حالة أخرى جديرة بالملاحظة، هي حالة كراس صغير، طُبِعَ للمرة الأولى في حلب في العام 1351 هـ ومازال متداولاً في سورية، عنوانه رسالة السلوك الخادمة لجميع الطرق؛ وهو عبارة عن عرض شديد الإيجاز لأشواط الطريقة (التي يعدِّد النص سبعة منها)، ويتضمن كذلك الأساليب الخاصة للـذكر واللطائف المقابلة لها على التوالي في بنية الإنسان. والقواعد الواردة في هذا النص، يشير واضعاها صراحة أنهما اشتقاها "من مؤلَّفات الشيخ الأكبر"؛ لا بل إن أحدهما – وهو المدعو محمد رجب الطائي – يقدِّم نفسه على أنه من ذرية ابن عربي. ولا بدَّ لنا هاهنا من الإشارة إلى أن جميع الكتابات من هذا النوع إنما تشدد أكثر ما تشدد على السلوك في الطريقة وعلى درجاتها، لا على المبادئ المذهبية. لذا فإن الكلمات المفاتيح التي ينبغي التفتيش عنها فيها هي، إذن، تلك التي بين مفردات ابن عربي تتعلق بـ"السلوك" الصوفي وبـ"الولاية"، وليس تلك التي يختص بها مذهبُه في الإلهيات. إن تجريدًا منهجيًّا لهذه الكراريس يبيِّن، أية كانت الحال، أن الحالات المعدودة المذكورة أعلاه ليس فيها من الاستثناء شيء على الإطلاق وأن بوسع أيِّ باحث أن يكتشف غيرها كثير من غير عناء.

لكن العديد من أنماط الكتابات الأخرى التي كان لها دور لا يستهان به – وإنْ على مقياس محدود – لا بدَّ من أخذه بالحسبان؛ وهذا يصح على الطبقات أو الأخبار المتنوعة التي ندين بها لأساتذة محليين. وهنا قد يكون من المثير للاهتمام، على سبيل المثال، استخراج الإحالات التي يسهل التعرف إليها بوضوح إلى مؤلَّفات ابن عربي من كتاب يعرفه جيدًا المؤرخون المغاربة: سلوة الأنفاس في من أُقبِرَ من العلماء والصلحاء بفاس لمؤلِّفه محمد بن جعفر بن إدريس الكتَّاني (1857-1927). وهو كتاب غني بالتفاصيل عن طبوغرافية فاس، سبق أن استعمله كلٌّ من رونيه باسِّيه وليفي بروفنسال، من بين آخرين. لكن ما يستلفت انتباهنا في سلوة الأنفاس هو أن كاتبه، لكي يحدِّد القامة الروحية للأولياء الذين يخصهم بالترجمة، يلجأ إلى مصطلحات أكبرية: فهذا الولي "موسوي المقام"، وذاك "عيسوي المقام"؛ ومفهوم "ختم الأولياء" الخاص للغاية بابن عربي وارد عدة مرات[19]. وما ينبغي النظر فيه، بهذه المناسبة، ليس ألفة الكتَّاني الصريحة بمقامات الأولياء بحسب ابن عربي – وهذا ليس بمستغرب جدًّا كما سنرى – بل دور الناقل الذي يمكن لمؤلَّف كمؤلَّفه أن يلعبه حيال قرَّاء ليسوا جميعًا راغبين حتمًا بالاطِّلاع على الفتوحات المكية أو قادرين على ذلك. فمن خلال تشرُّب غير واعٍ غالبًا، تصير مصطلحات كاتب عصيٍّ على الفهم ومشبوه نوعًا ما، بفضل كتب من هذا النوع – وهي كثيرة –، هي اللغة الصريحة التي يجري الكلام بها على الولاية والأولياء.

فلئن لم يكن سلوة الأنفاس مخصصًا لصفوة عقلية – ولم تقرأه هذه الصفوة وحسب – فإنه لا ينتمي قطعًا إلى "الأدب الشعبي". غير أن تلك هي حالة كتاب ينتسب إلى ذلك الجنس الشهير الذي يُقبِل عليه دومًا جهورٌ عريض، كتاب جُمِعَتْ فيه "خصائص" بعض سور القرآن، والذي ينتسب إلى مجال ما يمكن أن نسميه بـ"السحر اليومي" – ونقصد هنا كتاب نعت البدايات وتوصيف النهايات، الذي طُبِعَ عدة مرات (في فاس وفي القاهرة) والمنتشر جدًّا في المغرب كما في الشرق الأدنى. وهناك نصوص أخرى مشابهة تنطبق عليها الملاحظات عينها؛ لكننا لا نخص هذا النص بالتنويه إلا بسبب شخصية كاتبه ولأنه أُلِّف في الزمن المعاصر، شاهدًا بذلك على دوام انتشار المفاهيم الأكبرية. إن نعت البدايات من تصنيف ماء العينين الشهير، الوجيه المرموق الذي حمَّلتْه البروباغاندا الاستعمارية الفرنسية (ظلمًا) مسؤولية اغتيال كزافييه كوبولاني[20]. إن التصانيف بقلم هذا "المرابط" الموريتاني (ويجوز لنا أن نعتقد بأن الأمر يصح على تعليمه الشفوي) حافلة بالإحالات الصريحة إلى ابن عربي وإلى عدد من الكتَّاب من مدرسته، كعبد الرزاق القاشاني وعبد الوهاب الشعراني وإسماعيل حقي[21]. وهكذا فإن ما يبدو، للوهلة الأولى، مجرد مجموعة من الوصفات التقية، يتبيَّن، عند الفحص عنه، مشبعًا بإحكام بمنقول تأويلي يعود إلى الشيخ الأكبر. إن نعت البدايات، بهذه المثابة، لا يقدِّم إلا نسخة مفتقرة قطعًا من ذلك الميراث الغني، لكنها ليست غير وفية له.

وإلى هذا النمط من الأدب الشعبي تنتمي مؤلَّفات من نحو شمس المعارف الكبرى للبوني (الذي يذكر ابن عربي في سلاسل نقله) أو كنز الأسرار لمحمد النازلي (توفي في العام 1884)، الذي مرارًا ما يقبس من ابن عربي ويورد مقتطفًا طويلاً من رسالة الأنوار (وليس من التدبيرات الإلهية، كما جاء في عنوان الباب). إن كتاب كنز الأسرار، الواسع الانتشار في العالم العربي، هو كذلك، على سبيل المثال، في إندونيسيا، حيث أعيد طبعه مؤخرًا. لكن بعض تفاسير القرآن أسهمت إسهامًا أكثر مباشرةً في ذيوع صيت ابن عربي وفي سريان أفكاره. وهذه هي الحال مع روح البيان لإسماعيل حقي، حيث تحتشد المقبوسات عن ابن عربي. وهذا التفسير واسع الانتشار للغاية، إلى حدِّ أنه تمَّ رصد وجود مجموعة كاملة من أجزائه العشرة في إحدى مكتبات مكة قبل حوالى خمس عشرة سنة، حيث قصَّرتْ رقابة المراقبين الوهابيين عن القيام بدورها.

وبالوسع كذلك بلا تردد إطلاقُ وظيفة التوسُّط نفسها على أحد أوسع نصوص الطريقة التجانية انتشارًا، ألا وهو جواهر المعاني لعلي حرازم، الذي لا بدَّ لجميع أعضاء هذه الطريقة عمليًّا من قراءته، لكنه حَظِيَ بقرَّاء كثيرين جدًّا خارجها أيضًا. ونسختنا من الجواهر موشاة بإشارات إلى ما لا يُحصى من المقاطع التي لمسنا فيها ذكرًا لابن عربي[22] أو تلميحات إلى هذا المبحث أو ذاك في مؤلَّفاته. فإلى جانب المقبوسات العديدة – المعلنة أو غير المعلنة، لكنْ التي يمكن تمييزها دومًا – من نظرية ابن عربي في الولاية[23]، يدمج أحمد التجاني، في الأحاديث أو الرسائل التي دوَّنها علي حرازم بعناية فائقة، في مذهبه سمات عديدة من مذهب ابن عربي، مستعملاً نفس المصطلحات التي يستعملها: "النَّفَس الرحماني"[24]، مفهوم "الحضرات" الخمس[25]، "الحقيقة المحمدية"[26] وكلِّية الرحمة الإلهية التي تشمل حتى الهالكين[27]... كذلك من ابن عربي، وتحديدًا من الباب الثامن من الفتوحات، يستقي التجاني ما يسمِّه بـ"أرض السَّمْسَمَة"، في دلالة رمزية إلى "عالم الخيال"[28].

والمثير للانتباه أكثر هو أن جميع كتَّاب التجانية، على غرار علي حرازم، أو أحمد التجاني نفسه بالأصح، سوف ينهلون من النبع الأكبري، ويسهمون في بثِّ ما جمعوه. وهذه، حصرًا، حالة محمد الشنقيطي في كتابه بغية المستفيد[29]، مثلما هي حالة الحاج عمر في مؤلَّفه كتاب الرمه[30]، حيث توجد إشارات متكررة إلى الشيخ الأكبر، ولاسيما، مرة أخرى أيضًا، الاستعمال المنهجي لمذهبه في الولاية[31].

واسم الشعراني (المتوفى في العام 1565)، الذي كثيرًا ما يَرِدُ في المؤلَّفَيْن الأخيرين، يقودنا هاهنا إلى إيراد تفصيل هام. إن الكتابات المتنوعة – الحديثة نسبيًّا على العموم والتي مازالت إلى اليوم قيد التداول – التي ارتأينا الإشارة إليها كحوامل محتمَلة لتأثير ابن عربي هي عبارة عن ضرب من التبسيط نوعًا ما؛ لكنْ يمكن لها، بدورها، أن تكون محلَّ شبهة النقل عن تبسيطات سابقة: بعبارة أخرى، فإن ما تتضمَّنه من مقبوسات وشروح وملخصات عن ابن عربي لا يقيم دليلاً على أن كتَّابها قرؤوا شخصيًّا مؤلَّفات الشيخ الأكبر. فمحمد الشنقيطي يصرِّح بأن رسالة عنقاء مغرب وقعت بين يديه، لكنه يعترف بأنه لم يفهم منها شيئًا يُذكَر؛ فمن الجلي أن مقبوساته من ابن عربي إنما تمرُّ عبر وسيط أيسر فهمًا يقبس منه أيضًا، ألا وهو اليواقيت والجواهر للشعراني، وهو كتاب يقدِّم نفسه كشرح على الفتوحات المكية، لكنه في واقع الأمر وجيز ميسَّر له: فجميع ضروب المسائل، وفق تصنيف يتطابق بشكل عام مع بنود "عقيدة" تقليدية، تجد أجوبة عليها مستقاة من الفتوحات، مع إشارة إلى الباب الذي استُقِيَتْ منه[32]. وهناك عدة طبعات متتالية من اليواقيت، وقد ساهمت تطوراتُ المطبعة العربية قطعًا في انتشاره؛ لكن شعبيته سابقة لذلك بزمان طويل: فنحن نعرف – من الشعراني نفسه ومن المليجي، مترجم سيرته – بأن نسخًا من مؤلَّفاته، ما أن يتم إنجازها حتى كانت تطير إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي، من شمال أفريقيا حتى الهند،الأمر الذي يؤكده، على كلِّ حال، تناثُر المخطوطات المبوَّبة [33].

ويستند الحاج عمر بالتأكيد على الشعراني مرارًا، وإن يكن قطعًا على اطِّلاع مباشر على الفتوحات. لكن لا يمكن، بالمقابل، قول الشيء نفسه عن مؤلِّف آخر من أفريقيا السوداء، هو السنغالي إبراهيم نياس (توفي في العام 1975)، الذي أسَّس طريقته الخاصة، قبل أن يُنشئ الاتحاد الإسلامي الأفريقي، والذي أشار مِرفِن هِسكِت إلى ما يدين به إلى ابن عربي[34]. لقد كان بوسع إبراهيم نياس، المنشق عن التجانية، أن يجد حتمًا عند مشايخ هذه الطريقة العديد من العناصر الأكبرية الأصل. لكننا نميل إلى الاعتقاد بأن تصوراته النشورية تدين بالكثير من عناصرها إلى اليواقيت، وليس إلى توفُّرٍ دؤوب على كتب ابن عربي. ولدينا الشك نفسه أيضًا فيما يتعلق بـ"المهدي" السوداني، محمد بن عبد الله، الذي كان ينتمي، كما هو معلوم، إلى الطريقة السمَّانية التي أسَّسها أحد مريدي الشيخ مصطفى كمال الدين البكري، مريد النابلسي. وتشهد كتابات الشيخ البكري – ولا غرابة في الأمر في تلك الظروف – على تأثير كبير لابن عربي (يَسِمُ بقوة فروع الطريقة الخلوتية التي كان ينتسب إليها كافة: فعلي قره باش، الوارد في سلسلته، كان صاحب شرح على الفصوص)؛ مما لا يستبعد أن يكون "المهدي" قد حصَّل بهذه الطريقة شيئًا من الألفة بأفكار تعود إلى ابن عربي. لكن هل يكفي هذا لشرح تلك الفقرات من المنشورات[35] التي تقبس من الشيخ الأكبر؟ لقد أشارت نيكول غراندان بأن "المهديين" المعاصرين يذكرون رسالة عنقاء مغرب لابن عربي بوصفها المصدر الرئيسي لمذهب المهدي[36]؛ وربما كان الباب 366 من الفتوحات، الذي يبحث في "وزراء المهدي"، مصدرًا من تلك المصادر. لكن هل الأمر عبارة فعلاً عن استعمال مباشر لهذه المصادر، أم هو استخدام حصيف للمقتطفات المخصَّصة للاستخدام الشعبي التي يوردها الشعراني في اليواقيت أو في بعض كتبه الأخرى؟ إن الفرضية القائلة بأن "المهدي" قد اطَّلع على التفسير الكبير للقرآن لابن عربي مستبعَدة على كلِّ حال: بعد التحقق من الأمر، فإن الإشارات إلى هذا التفسير في المنشورات لا تحيل إلى أحد مؤلَّفات ابن عربي، بل بالأحرى إلى المقطع الواحد عينه من تفسير القاشاني (الذي يصر النُسَّاخ والناشرون منذ وقت طويل على نسبته إلى الشيخ الأكبر)[37].

ترجمة: أكرم أنطاكي

مراجعة: ديمتري أفييرينوس


هذه المقالة هي نص مقدمة كتاب شودكيفِتش لكتابه:

Michel Chodkiewicz, Un océan sans ravage : Ibn ‘Arabī, le Livre et la Loi, La Librairie du XXe siècle, Éditions du Seuil, Paris, 1992.

الهوامش

[1] ابن حجر الحيتمي، الفتاوى الحديثية، القاهرة، 1970، ص 296.

[2] Cambridge, 1939; 2nd ed., Lahore, 1964.

[3] فصوص الحكم، المقدمة، ص 21.

[4] Clément Huart, Littérature arabe, Paris, 1932, p. 275.

[5] A.J. Arberry, Sufism: An Account of the Mystics of Islam, London, 1950.

[6] Rom Landau, The Philosophy of Ibn ‘Arabī, London, 1959, pp. 24-25.

[7] J. Berque, Al-Yousi, Paris-La Haye, 1958.

حول هذه الشخصية، راجع أيضًا:

C. Geertz, Islam Observed, Chicago, 1968 (index s.v. Liyusi); P. Rabinow, Symbolic Domination, Chicago, 1975; E. Gellner, Muslim Societies, Cambridge, 1981, chap. 10.

[8] Voir J. Berque, op. cit., pp. 40, 121-126.

[9] Ibid., pp. 123 et 126.

[10] البحر المسجور، مستغانم، ب.ت.، الصفحة 69.

[11] الفتوحات المكية، القاهرة، 1329 هـ، مج 1، 115؛ بتحقيق عثمان يحيى، مج 2، ص 208-209.

[12] القاري البغدادي، الدر الثمين في مناقب محيي الدين، بيروت، 1959، ص 27 و28؛ المقاري، نفح الطيب، بيروت، 1968، مج 2،ص 178.

[13] أبو العباس محمد زرُّوق، قواعد التصوف، القاهرة، 1328/1968 (حول ابن عربي، انظر: ص 35، 41، 52، 129). يمكن الرجوع أيضًا إلى علي ف. خشيم،زرُّوق الصوفي، طرابلس (ليبيا)، 1976، ص 14و148.

[14] عبد الوهاب الشعراني، الأنوار القدسية في معرفة القواعد الصوفية، طب 2، بيروت 1985، مج 2، ص 28.

[15] فخر الدين علي بن الحسين واعظ الكاشفي، رشحات عين الحياة، في مجلدين، طهران، 2356، مج 1، ص 249-250. الإشارات إلى ابن عربي في كلام السادة النقشبندية التي يوردها المؤلِّف كثيرة جدًّا؛ انظر، من بين أمور أخرى (الفهرس)، إلى أقوال برهان الدين أبو نصر بارسا ومحمد شمس الدين الكوسوي. كذلك تورد سيرة شيخ نقشبندي معاصر (محمد أمين الكردي، المتوفى في العام 1914) سلوكًا مشابهًا لسوك عبيد الله أحرار: "كان يقرأ عليَّ فصولاً من الفتوحات؛ لكن ما أن يدخل علينا أحد حتى يطوي الكتاب ويسكت." (محمد أمين الكردي، تنوير القلوب، القاهرة، ب.ت.، ص 42)

[16] Y. Friedmann, Shaykh Ahmad Sirhindī, Montréal-London, 1971.

تجدر الإشارة، بهذا الصدد، إلى الرأي الشائع بأن النقشبندية – وهي طريقة سُنية – مناوئة عمومًا لابن عربي، وأن ما كان يصح على الشيوخ القدامى يصح كذلك على شيوخها الأحدث. فالشيخ خالد، المتوفى في العام 1827، يوصف في مصنَّف ظهر في نهاية القرن الماضي – السعادة الأبدية لعبد المجيد الخاني، دمشق، 1313 هـ، ص 2 – بأنه "أكبري العرفان". كذلك ينقل كتاب آخر من الفترة نفسها – الحديقة الندية لسليمان الحنفي البغدادي، على هامش كتاب أصفى الموارد، القاهرة، 1313 هـ، ص 60-61 – أنه عند موت خالد، فإن أحد مريديه حصلت له رؤيا رأى فيها ابن عربي خارجًا من قبره ليقبِّله. كذلك يؤكد مخطوط فهرست مكتبة الشيخ خالد، الذي حصلنا على نسخة مصورة عنه، أنه كانت لديه مؤلَّفات ابن عربي ومريديه الرئيسيين. أما فيما يتعلق بموقف أوائل مشايخ النقشبندية من ابن عربي، فيوجد العديد من التفاصيل الإضافية في مداخلة الأب حامد الجار في ندوة انعقدت حول ابن عربي في نوتو (صقلية، نيسان 1989) قيد النشر:

Views of Ibn ‘Arabī in Early Naqshbandi Tradition.

بالنسبة لأحمد بن إدريس، راجع:

R.S. O’Fahey, Enigmatic Saint, Ahmad b. Idrīs and the Idrīsī Tradition, London, 1990, pp. 90-106.

[17] M. Chodkiewicz, Le Sceau des saints, prophétie et sainteté dans la doctrine d’Ibn ‘Arabī, Paris, 1986.

بخصوص مصطلحات ابن عربي، نحيل القارئ إلى كتاب سعاد الحكيم النفيس المعجم الصوفي، بيروت، 1981، الذي يُعتبَر أداة لا غنى للباحث عنها. وهناك أمثلة عديدة تشهد أن أنماط الولاية في المذهب الأكبري يستعملها العديد من الكُتَّاب لتأويل رجعي لحال صوفيين متقدِّمين على ابن عربي. وقد ذكرتُ (ختم الأولياء، ص 104) حالة عين القضاة الحمداني (المتوفى في العام 1131). وبالإمكان كذلك ذكر حالة أحمد الرفاعي (المتوفى في العام 1182)، الذي يرجع حفيدُه، من أجل أن يعيِّن النمط الروحي لجدِّه ولعدد من معاصريه – بدون أن يصرِّح بذلك – إلى معايير ابن عربي وعباراته، كما وإلى مفهوم "ختم الولاية". راجع:

M. Tahrali, Ahmad al-Rifā‘ī, sa vie, son œuvre et sa tarīqa, thèse de 3e cycle, Paris III, 1973, pp. 134-135.

والمقاطع المذكورة واردة في كتاب المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية لعز الدين أحمد الصياد، القاهرة، 1888، ص 59-60.

[18] الفتوحات المكية، مج 1، ص 9؛ وبتحقيق عثمان يحيى، مج 1، ص 70.

[19] الكتاني، سلوة الأنفاس...، فاس، طبعة بالحجر، 1316 هـ؛ راجع، مثلاً، الباب الثاني، ص 241، 288، 332-333، 340.

[20] حول ماء العينين، راجع:

Encyclopédie de l’Islam, s.v., and B.G. Martin, Muslim Brotherhoods in 19th Century Africa, Cambridge, 1976, chap. 5.

[21] نعت البدايات...، القاهرة ب.ت.، حيث توجد أمثلة على إحالات إلى ابن عربي، ص 91-92؛ إلى القاشاني، ص 67، 120؛ إلى إسماعيل حقي، ص 69-70، 74، 77، 80؛ وإلى الشعراني، ص 98، 103، 167.

[22] جواهر المعاني، القاهرة، 1384 هـ. نجد ذكرًا مباشرًا لابن عربي (إما على هذا الشكل وإما على شكل الحاتمي) مرات عديدة (انظر مثلاً: 1، ص 66، 75، 126، 147، 151، 183، 245–247؛ 2،ص7، 70، 84، 116، 117، 150). لكن العديد من الاستعارات البيِّنة لا يُشار إليها على أنها كذلك، كما هي حالة نكتة (نكتة الجوهري) الواردة في 1، ص 241، والمنقولة مباشرة عن الفتوحات (2، ص 82).

[23] للاطلاع على مقطع نوعي يتعلق بمذهب الولاية (مع ذكر "الختم") راجع: جواهر، 2، ص 21، 84–85.

[24] جواهر، 2، ص 37.

[25] نفس المرجع، 2، ص 39.

[26] نفس المرجع، 1، ص 147؛ 2، ص 143.

[27] نفس المرجع، 1، ص 183-184؛ 2، ص 30.

[28] نفس المرجع، 2، ص 25.

[29] بغية المستفيد، القاهرة، 1380/1959. راجع، على سبيل المثال، الكلام على مراتب الأولياء، ص 187–194. هذا ويُستشهَد بابن عربي عدة مرات في الكتاب.

[30] مطبوع على هامش الجواهر.

[31] انظر: 2، ص 4، 15، 16.

[32] الشعراني، اليواقيت والجواهر، القاهرة، 1369 هـ. وعلى هامش هذا الكتاب نجد للمؤلِّف نفسه ملخَّصًا آخر للـفتوحات: الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر، الذي هو، بدوره، ملخَّص لكتاب ثالث للشعراني: لواقح الأنوار القدسية. حول الشعراني وحياته نحيل القارئ إلى:

Michael Winter, Society and Religion in Early Ottoman Egypt, New Brunswick, 1982.

[33] Cf. M. Winter, op. cit., p. 2 and note 2, p. 9.

[34] Cf. Mervyn Hiskett, “The Community of Grace and Its Opponents,” African Languages Studies, London, 1980, XVII, pp. 99-140.

[35] منشورات الإمام المهدي، طبعة بالحجر (4 مجلدات)، الخرطوم، 1963، 1، ص 5-6 ، 13؛ 2، ص 49، 62، إلخ.

[36] رسالة مؤرخة في 20 تشرين الثاني 1988. وتضيف السيدة غراندان أنه – لهذا السبب – يُعتبَر عنقاء مغرب واسع الانتشار اليوم في أوساط النخبة المهدية المتعلِّمة في السودان.

[37] المقطع الذي تشير إليه المنشورات موجود (تفسيرًا للآية 182 من سورة الأعراف) في مج 2، ص 460، من تأويلات القاشاني (لكن المنشور باسم ابن عربي)، بيروت، 1968. فيما يخص التفسير الأصلي للشيخ الأكبر (الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل، فهرست أعمال ابن عربي، 172)، الذي كان يضم 64 مجلدًا ويبلغ حتى سورة مريم، يبدو أنه اختفى اختفاءً غامضًا بعد أن عرف طويلاً تداولاً على نطاق ضيق نوعًا ما. وفي عصر "المهدي" كان أصلاً شديد الاستغلاق، ووحده عدد محدود من الأكبريين الاستثنائيين، على ما يبدو، كان ما يزال بمستطاعه الرجوع إليه. إن استعمال – أو بالأحرى الشطط في استعمال – مرجعية ابن عربي كان مستشريًا في ذلك الوقت نفسه في حركة مخالفة للإجماع هي حركة غلام أحمد، مؤسِّس النحلة الأحمدية، الذي استلهم صراحة معطيات أكبرية حول "النبوة المطلقة" و"الولاية العيسوية". راجع بهذا الخصوص كتاب:

3.Y. Friedmann, Prophecy Continuous, Berkeley, 1989, Part